النقل والبيان الوزاري- مرصد النقل – جمعية حقوق الركاب

في 18 شباط 2025، أقر مجلس الوزراء البيان الوزاري الذي ستتقدم به الحكومة إلى المجلس النيابي للحصول على الثقة بناءً عليه. لقد أظهرت الحكومة سرعة في إعداد هذا البيان وأطلقت على نفسها اسم “حكومة الإنقاذ والإصلاح”، مما يعكس تعهدها بالتصدي للتحديات الراهنة. لكن هذه السرعة تثير التساؤلات حول مدى عمق دراسة القضايا التي تناولها البيان، خصوصاً في قطاع النقل.

رغم أن البيان يحمل طابعاً سياسياً عاماً، إلا أننا سنركز على مواضيع النقل التي تُعنى بها جمعيتنا. ومن الملاحظ ارتباط هذه القضية بالقضايا السياسية المحلية والإقليمية التي تؤثر على النقل بشكل مباشر وغير مباشر. من أبرز ما ورد في البيان عبارة “تحصين السيادة”، التي تُفتح لتفسيرات عديدة. فلا يقتصر معناها على الانسحاب الإسرائيلي فقط، بل تتجاوز ذلك إلى سؤال محوري حول إمكانية تحقيق السيادة الوطنية من دون تأمين وصول وتنقل الناس بين قرى الحدود والعاصمة. هذا التساؤل يقودنا إلى التفكير في مدى أهمية النقل في تعزيز الشعور بالوطنية والانتماء.

في هذا السياق، وردت في البيان عبارة “نريد تأمين العدالة للجميع”. لكن هل العدالة تعني فقط إصدار الأحكام القضائية والدعاوى؟ أم أن تحقيق العدالة يشمل ضمان تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، لا سيما في الوصول إلى خدمات النقل والبنية التحتية التي تدعم حياة يومية مستدامة ومتساوية؟

ومن الزوايا التي تثير القلق أيضاً هو الربط بين سلامة المواطنين والسلامة المرورية. على الرغم من أهمية السلامة على الطرقات، إلا أن البيان لا يبدو أنه تناول الأرقام المقلقة حول حوادث السير. وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يُقتل أكثر من 1000 شخص سنوياً بسبب حوادث السير، بينما الأرقام الرسمية من هيئة إدارة السير تشير إلى حوالي 600 ضحية. هذا الفارق الكبير بين الأرقام يدعو إلى تساؤلات حول الشفافية في الإبلاغ عن الحوادث ومدى دقة البيانات المستخدمة لتحديد السياسات. كما أن البيان أغفل ربط السلامة المرورية بالصحة العامة والخسائر الاقتصادية التي تتكبدها الدولة نتيجة لهذه الحوادث.

وفيما يخص تنظيم قطاع النقل، ذكر البيان ضرورة تنظيمه على غرار قطاع الاتصالات، لكنه لم يوضح أي تفاصيل حول هذا التنظيم. السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما هي القوانين أو اللوائح الموجودة لتنظيم هذا القطاع؟ وإذا كانت هناك هيئة تنظيمية خاصة بالنقل، فلماذا لا نعلم عنها شيئاً حتى الآن؟ أليس من الأنسب أن يتم استشارة المختصين بقطاع النقل أو المسؤولين فيه قبل وضع مثل هذه النصوص؟

من جهة أخرى، تناول البيان تشغيل مطار رينيه معوض في القليعات، لكن يبدو أن هذا الوعد جاء دون دراسة جدوى واضحة. هل تمت دراسة الجدوى الاقتصادية والاجتماعية لهذا المشروع، أم أنها خطوة استجابة للضغوط الشعبوية فقط؟

رغم محاولتنا كشبكة “عدالة التنقل”، التي تضم جمعيات مختصة بقطاع النقل، التواصل مع لجنة صياغة البيان الوزاري لتضمين استراتيجيات واضحة للنقل البحري والجوي والبري، إلا أن البيان جاء خالياً من أي خطة استراتيجية شاملة. بدلاً من ذلك، بدا أن الصلاحيات متفرقة بين الجهات المختلفة، دون وجود مرجعية أساسية يمكنها تنفيذ مشاريع النقل الكبرى وضمان الترابط بين خدمات النقل البري والبحري والجوي. هذه الفجوة الواضحة تؤثر على استدامة المشاريع وتجعلها عرضة للعشوائية.

ولعل الجانب الأكثر غياباً في البيان هو العلاقة بين الاستثمار في قطاع النقل والتنمية الاقتصادية والاجتماعية. إن توفير خدمات نقل جيدة يعني تحسين وصول المواطنين إلى فرص العمل، مما يخفف من الأعباء الاقتصادية على الأسر ويدعم المجتمع بشكل عام. على الرغم من ذلك، لم يتم ذكر قطاع النقل العام أو المشترك، وكأنما هذا القطاع يقتصر على شبكات الطرق والسلامة المرورية فقط.

ختاماً، يبرز القلق الأكبر من كون وزير النقل الحالي هو رئيس شركة سيارات قد باعت بملايين الدولارات قروضاً لتمويل شراء سيارات خاصة. هذا الواقع يثير تساؤلات حول مدى اهتمام الوزير بتطوير مشاريع النقل المشترك التي تخدم الجميع، مقارنة باهتمامه بتطوير الطرقات التي تدعم مبيعات شركته الخاصة.

مرصد النقل