بيان – ازمة نقل- عدالة التنقل

بيان 

بيروت في 22-08-2021

ينتظر الناس على محطات البنزين في لبنان لساعات وساعات في طوابير التي أسموها طوابير الذل محاولين أن يملأوا خزانات سياراتهم آملين المحافظة على استمرار تنقلهم كالمعتاد في ظل اللامسؤولية وعشوائية اتخاذ القرارات . فيصحى اللبنانيين يوماً برفع الدعم الكلي ويوم آخر بقرار دعم المحروقات على ال 8000 ليرة بعد اجتماع بعبدا في 21-08-2021 . فيعيش اللبنانيين سوء إدارة الأزمة والكباش السياسي بين مختلف الأطراف.

بداية إن الازمة أزمة نقل وليست أزمة محروقات، وبداية الحل الإعتراف بالأزمة كأزمة نقل لبدء معالجتها بشكل صحيح وإلا استمرار دعم المحروقات من 3900 الى 8000 ليس إلا هروب للأمام ولن يلغي طوابير الذل ولن يعطي الكل فرصة التنقل بشكل عادل للجميع.

في الشكل لم نر حضور لوزير النقل أو مصلحة سكة الحديد والنقل المشترك أو أي جهة مسؤولة عن قطاع النقل وهذا بحد ذاته تفصيل مهم في ظل هذه الازمة، فمن سيحدد تعرفة النقل أليس وزير الاشغال والنقل؟!

في المضمون رفع بدل النقل من 8000 الى 24000 الف  لموظفي الدولة  لن يساهم في تخفيف وطأة الأزمة وسيؤدي الى الإستمرار في استعمال السيارات الخاصة ولن يغطي فارق  تكلفة النقل التي اصبحت حسب الدولية للمعلومات تمثل ما بين 25-50 % من راتب العامل على سعر دعم 3900 فما بالكم على دعم 8000 أو أكثر. والأجدر استعمال هذا المبلغ في دعم وتطوير النقل المشترك والمستدام أو إنشاء نقل جماعي خاص لموظفي الدولة كما تفعل بعض مؤسسات الدولة من جيش وأمن داخلي بالإضافة الى بعض المؤسسات الخاصة.

أليس الأجدر بدل تخصيص 255 مليون دولار لدعم المحروقات، تخصيص قسم منهم لدعم مباشر للنقل المشترك أو المستدام في ظل عدم تمكن الكثير من ملء خزاناتهم بالوقود أو حتى استطاعتهم تحمل نفقات تصليح مركباتهم التي ستصبح عاجلاً أم آجلاً هياكل متوقفة في المواقف لا تشرى ولا تباع الا قطع غيار .

الحلول الأمنية التي حاولت ضبط التخزين والتهريب لم ولن تستطيع الان أو لاحقا من ضبط وتنظيم التوزيع العادل للمحروقات وهذا كان واضحاً في عدد المشاكل التي كانت وما زالت تحصل على المحروقات والتي أودت بضحايا كثر من بينهم ضحايا إنفجار التليل وهم إنضموا الى مجموعة ضحايا حوادث الطرقات السنوية . أما القرارات الأخيرة والجهد لضبط توزيع المحروقات عبر غرفة عمليات مشتركة قد يذهب هدراً دون جدوى في ظل الإنهيار الذي نعيشه وفرق الدولار، وما وجود  السوق السوداء للمحروقات الا دليلا لذلك.

تداعيات هذه القرارات المتخذة ستؤثر على سائر حياة السكان، فعلاقة كلفة النقل ستؤثر على كافة أسعار السلع وخاصة المنتوجات الغذائية وعلاقتها بالأمن الإجتماعي للناس وليس فقط الركاب والسائقين.

فالركاب أو مستخدمي النقل المشترك من باصات او فانات بعضهم عانوا سابقاً من دفع تعرفة النقل السابقة فما بالكم من الحال الان. كلفة النقل في الباصات أو الفانات من مناطق الأطراف الى بيروت أو المدن الكبرى أصبحت لا تحتمل فمن يستطيع أن يدفع حوالي 50 الف ليرة أو أكثر في اتجاه واحد وعلى سعر الدعم السابق . أم السرفيس فيترواح بين 8-12 الف على السعر صرف 3900 فما بالكم الان والتي ستتضاعف فيها التكلفة مما قد يجعل الكثيرين الى التوقف عن الذهاب الى العمل أو الاضطرار الى المشي لمسافات طويلة. دون ذلك يعاني الركاب كذلك من عدم توحيد تعرفة النقل وعدم وجود مرجعية صالحة تتابع الأسعار وتراقبها وتفرضها ، فيعتمد الراكب على نفسه للتفاوض مع السائق والوصول الى سعر مقبول من الاثنين .

اما بالنسبة للسائقين فأنهم يعانون الأمريين في ظل الانتظار في طوابير الذل ليتمكنوا من العمل للحصول على لقمة عيشهم بكرامة، أو بالإضطرار الى الشراء من السوق السوداء بأسعار لا منطق فيها ولا عقل .فيضطرون أن يحملوا الكلفة على الراكب الذي يجبر أن يدفع فرق التكلفة أو يخسر وسيلته الأخرى وربما الوحيدة للتنقل. السائقون أيضا متركون لمصيرهم دون اي نوع من الحماية او الدعم ، يفاوضون الركاب للحصول على ما هو ممكن مع مراعاة ظروق بعض الركاب ، ودون أن ننسى المشاكل التي قد تحصل بين الركاب والسائقين بعد عدم الاتفاق على السعر، دون أن ننسى صيانة سياراتهم التي اصبحت تكلفتها لا تحتمل نظرا لارتفاع سعر الدولار.

الحلول تبدأ بألإعتراف بوجود أزمة نقل وتنقل وليس أزمة محروقات. وبداية المعالجة تبدأ بتغيير كل السياسات المتعلقة بدعم التنقل الفردي عبر السيارات الخاصة الى سياسات نقل مشترك ومستدام.

رفع الدعم عن المحروقات يجب أن يترافق مع خطط واضحة تدعم تنقل الناس وتعطيهم فرص ووسائل  أخرى للتنقل غير سياراتهم كالنقل المشترك من باصات وسكك حديد وغيرها الى التنقل السلس على الطرقات مشياً أو عبر الدراجات الهوائية.

البداية تبدأ بدعم النقل الشعبي الجماعي العاملة من باصات وفانات وسرفيسات وتطويره  من خلال تنظيمه ودمجه بأي مشروع جديد.

وبما ان لا افق حل مركزي وسياسي الان، ندعو البلديات الى العمل على تنظيم النقل المشترك من باصات و مواقف التاكسيات في نطاق عملها وذلك حسب مواد 49 و 50 من القانون البلدي, بالاجتماع مع العاملين في قطاع النقل المشترك ودعمهم عبر تنظيم جدول أوقاتهم وأدوارهم وتأمين المحروقات لهم كأولوية ، و تنظيم المواقف الخاصة لهم وخصوصاً أنه في الماضي كان في كل بلدية موقف خاص للسرفيس والتاكسي ولا بد من إعادة تنظيمه .

التعاون بين اتحاد البلديات لتواصل خطط النقل المشترك بين المناطق وتنظيمها سوياً.

للمساعدة أو الإستشارة لأي بلدية أو اتحاد بلديات أو أي طرف  يمكنكم التواصل معنا عبر الواتساب على الرقم 81238226

لعلنا معاً نستطيع ان نعمل سوياً لاجل تنقل ومجتمع أفضل.

في النهاية أزمة النقل هي جزء من الأزمة الإقتصادية التي نعيشها فلا يمكننا الخروج من أي أزمة مهما كان نوعها والتخفيف منها إن لم يكن هناك إستقرار سياسي واقتصادي يعول على الموارد الطبيعية  والبشرية  ويفعل الانتاج والاستدامة ويضمن الحماية الإجتماية للجميع من ضمن حق وعدالة التنقل.

بونزي النقل

 سمعنا كثيرا خلال الأزمة الاقتصادية وخصوصا بعد ثورة 17 تشرين عبر صفحات السوشيال الميديا وظهور ما يسمى ال Nerds .

الذين ساعدوا على تحليل الوضع الاقتصادي من منطلق اخر قد نكون لم نسمع به قبل او نهتم به لانه دائما كنا نصدق أن الليرة بخير.

الى أن تفاجأنا بأن كلام وتوقعات هذه المجموعة من الاختصاصيين والاستشاريين كانت الاصدق للتنبؤ بالوضع. وبدأنا نسمع بعبارات جديدة تتعلق بالاقتصاد والمال والفوائد.

اللولار والبونزي قص الشعر الهندسات المالية والكابيتال كونترول كلها عبارات ضجت الى مسامعنا وتعرفنا عليها وعشنا بظلها دون ان نعرف او ندري.

أن نسبة  السكان الذين يملكون حسابات في البنوك  هي حوالي ال40 % (حسب مقال لمحمد زبيب في جريدة الاخبار هناك مودع  2.892.484)إذا اعتبرنا عدد سكان لبنان حوالي ال 6 مليون شخص  والقسم الآخر من اللبنانيين لا يملكون حتى حساب بنكي

في حين ان نسبة اللبنانيين الذين يملكون سيارة تتراوح حوالي الـ 80 بالمئة حسب دراسة قام بها مجلس الانماء والاعمار في ال 2013 وان اقل من 30 بالمئة من الرحلات تقوم على استعمال الوسائل الأخرى من التنقل ما بين المشي والنقل المشترك والسلس.

لن نغوص كثيراً في في الارقام وتعاريف كل عبارة اقتصادية إلا أننا سنحاول أن نعكس هذه العبارات على قطاع النقل بشكل عام وربطها ببعضها لوصف واقع النقل الذي عشناه ونعيشه لسنين طويلة.

البونزي سكيما أو بالعربية مخطط البونزي هي طريقة لبناء عمل وهمي او احتيالي لاستفادة البعض على حساب القاعدة وهذا النوع من أنظمة الأعمال ممنوع في الكثير من دول العالم وحتى هناك مؤسسات رقابية لأجل منع هكذا اشكال من الأعمال.

هذه الصورة تظهر بوضوح شكل البونزي فهو يكون بالإجمال على شكل هرمي حيث هناك رأس وقاعدة .والرأس هو الشخص الذي يبدأ البونزي والذي هو المستفيد الاول مع الصفوف القليلة التي تليه والخاسر الاكبر يكون القاعدة.

 

وحيث رأس المال يتكون من المنضمين الجدد الى الهرم ويتوزع على الفئات العليا في الهرم حتى ينهار الهرم ويحصد اعلى الهرم الربح وتخسر القاعدة أموالها وتبقي على موجودات قد لا تباع او ترد .

لأكثر من ثلاثين سنة  بعد الحرب وحتى قبل الحرب كانت السياسات المعتمدة من قبل السلطات اللبنانية للنقل والتنقل تعتمد بشكل كبير على السيارة الخاصة. وهذا ما تظهره هذه الارقام ادناه

فهذا رسم من الجمارك اللبنانية يظهر حجم الاستيراد السنوي للسيارة في لبنان

كمية النفط المستورد تشكل حوالي ال 20% من حجم الاستيراد السنوي  فبين 2000 و ال2020  21.3 مليار دولار بنزين

استوردنا سيارات خاصة بين ال 2000 و ال 2020  19.7 مليار دولار

والبنوك أعطت  73 ألف قرض لشراء سيارة خاصة بين ال 2000 وال 2020 حسب الباحث  الاحصائي عباس طفيلي

وكلنا نعلم كم كان سهلاً لأي شاب او شابة في بداية حياتهم من الاستحصال على قرض للسيارة

والدولة كانت تحاول الاستفادة من هذه الأرقام من خلال الجمارك والميكانيك والمخالفات التي تتكلفها هذه الاعداد الكبيرة للسيارة  مع أنها تدري أن الخسائر الاقتصادية حسب أرقام البنك الدولي من زحمة السير تبلغ حوالي ال 2 مليار دولار

دون ان ننسى التكاليف الباهظة للبنى التحية للسيارات من تزفيت طرقات او بناء جسور والصيانة التي كانت مشاريع “الهبرة” التي كانت كل الجهات السياسية تحاول ان تستدرك منها قسم لتتقاسمها على المحازبين والمستفيدين لدرجة ان وزارة النقل والأشغال العامة أصبحت وزارة اشغال وسقط النقل من حسابات أي وزير.

وكانت ومازالت دعايات السيارات تملأ الشاشات والطرقات والعروض التي تتسابق بشكل ظاهر بين بعضها لتحثك على شراء سيارة خاصة تريحك من الذل من التنقل في النقل الجماعي.

قبل الأزمة التي نعيش الان كانت الدولة تحصل من ثمن كل تنكة حوالي الثلث او النصف كربح وذلك بسبب الدعم الغير مباشر للدولار على 1500 وكان مصدر دخل كبير بالنسبة لميزانيات الحكومات التي كانت تحاول جاهدة من زيادة اعداد زبائنها عبر بيع سيارات اكثر واكثر.الا بعد الازمة الدولار بدأت الحكومة بدعم سعر المحروقات للحفاظ على سعر صفيحة البنزين وتسبب بتجفيف قسم كبير من احتياطي مصرف لبنان.

وكسائر دول العالم التي تبدأ بسياسات  دعم المحروقات ستصل يوماً ما إلى الاضطرار على رفع الدعم جزئياً إلى رفعه كلياُ ولكن رفع الدعم يجب أن يترافق مع تأمين وسائل أخرى للتنقل حيث تدريجياُ الناس ُتخرج من سياراتها إلى نظام نقل مشترك مستدام .

واذا اردنا الرجوع الى البونزي مما سبق وذكر نستطيع ان نضع البنوك وشركات النفط وشركات السيارات والسياسيين ومؤسسات الدولة والمستفيدين من ورائهم في اعلى الهرم وهم المستفيدين الأساسيين من الاموال والارباح التي تؤمن قسم كبير منها بدعم الدولار قروض من مصرف لبنان  .الناس التي اشترت السيارات في اسفل الهرم .

فقد اشترت الناس منتج لا يرد ويستبدل بسبب وضع الدولار وان حصل سيفقد الكثير من قيمته وليس هذا فقط فإن مع رفع الدعم سيتمكن قلة من الأشخاص تعبئة سياراتهم من الوقود فيكون قد اشتريت سيارة لن تستطيع ان تستعملها وتحولت من أصول الى عبئ كبير على كاهل أي شخص يريد التنقل فيها.

شادي فرج 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء شخصية