أصبح العالم أمام حالة طوارئ أو تحدٍ كبير وهو تخفيض معدل ارتفاع الحرارة لأكثر من 1.5 درجة مئوية لعدم الوصول الى نقطة اللاعودة في التغيير المناخي.
لقد شرعت الدول الكبرى وخصوصا الاكثر تلويثاً الى ايجاد استراتيجيات لتخفيض تلوث الهواء من الغازات الدفيئة التي تنتجها المجتمعات الاستهلاكية لتلك البلدان، وخاصة ثاني أكسيد الكربون وهو الغاز الأساسي الذي يساهم في ارتفاع معدلات درجة الحرارة في هذا القرن.
تتوزع نسبة الغازات الدفيئة عالمياً بين القطاعات الأساسية بالشكل الآتي :
إذاً، تشكل الطاقة نسبة 72% من انبعاثات الغازات الدفيئة عالمياً، وقطاع الطاقة يشمل العديد من المكونات متل معامل انتاج الطاقة من الوقود الأحفوري ,النقل البري وغير البري ,الى جانب مصادر الاحتراق في النشاطات الصناعية والتجارية والسكنية ، مع مصادر الزراعة والنفايات والغابات .
الا أننا في هذا البحث سنعالج فقط التلوّث من النقل فقط الذي يشكل فقط 24 % من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون عالمياً. النقل البري يشكل 74.5% من هذه الانبعاثات حسب الدراسة في 2018 .
أما في لبنان، يشكل النقل حوالي 26% من إنبعاثات الغازات الدفيئة من قطاع الطاقة، حسب إحصاءات 2015 من وزارة البيئة وبرنامج تغير المناخ [3]
بعد مؤتمر باريس بشأن تغير المناخ 2015 كوب 25 إلتزمت الدول المشاركة بعدة نقاط أهمها:
- تقليل كمية الغازات الدفيئة الضارة المنتجة وزيادة أنواع الطاقة المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية والأمواج
- الحفاظ على ارتفاع درجة الحرارة العالمية “أقل من” 2 درجة مئوية (3.6 فهرنهايت) ومحاولة اقتصارها على 1.5 درجة مئوية
- مراجعة التقدم المحرز في الاتفاقية للإلتزامات المحدّدة وطنياً (NDC) كل خمس سنوات المستحقة في سنة 2020
- إنفاق 100 مليار دولار سنويًا على تمويل المناخ لمساعدة البلدان الفقيرة بحلول عام 2020 ، مع الالتزام بتقديم المزيد من التمويل في المستقبل.
تجدر الاشارة انه تم تأجيل انعقاد مؤتمر كوب 26 بسبب جائحة كوفيد 19 من شهر ت² 2020 الى شهر ت² 2021 في مدينة غلاسكو في بريطانيا.
رغم أن حصة لبنان لا تشكل أكثر من 0.07% من الانبعاثات العالمية، فإنّ لبنان أقرّ NDC أو الالتزامات المحدّدة وطنياً بنقاط في 2015 حسب ما صرّح لنا فاهاكان كاباكيان مدير ملف تغير المناخ لدى برنامج الامم المتحدة ومستشار تغيير المناخي.
وقد صادق مجلس النواب على إتقافية المناخ بقانون رقم 115/2019 في آذار 2019.
ان الالتزامات المحدّدة وطنياً التي التزم بها لبنان كسائر الدول تنقسم على استراتيجيتين، التخفيف والتكيّف .
استراتيجية التخفيف تنقسم الى قسمين
هدف مشروط | هدف غير مشروط |
خفض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 30٪ في عام 2030 | خفض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 15٪ في عام 2030 |
توليد 20% من الطلب على الطاقة والتدفئة من الطاقة المتجددة | توليد 15% من الطلب على الطاقة والتدفئة من الطاقة المتجددة |
تخفيف 10% من الطلب على الطاقة من خلال تحسين كفاءة الطاقة في 2030 | تخفيف 3% من الطلب على الطاقة من خلال تحسين كفاءة الطاقة في 2030 |
الفرق بين الالتزامات للأهداف المشروطة وغير المشروطة، أن الدول الكبرى ستقدم للبلدان النامية الدعم لتنفيذ مشاريع تساهم في تخفيف آثار التغيير المناخي مما يحتم على الدولة تحقيق مستويات مشروطة أكبر من غير المشروطة.
اما استراتيجية التكيّف فتعتمد على ثلاث مستويات، التنوع البيولوجي، الغابات والزراعة، والمياه، للمساهمة في تقليل الآثار السلبية لتغير المناخ.
إن التقيد بهذه الالتزامات يجب أن يبدأ بعد 2020 ، ولكن لبنان قد بدأ العمل بتنفيذ بعض المشاريع التي تعنى بالطاقة المتجددة والنقل، مثل قوانين خفض الضريبة على السيارات الكهربائية والسيارات الهجينة، ومشروع الباص السريع الذي أقرّه المجلس النيابي بتمويل من البنك الدولي. أما التعديلات الجديدة للالتزامات في 2020 فقد انتهت من المرحلة التقنية وهي بحاجة للإقرار من الحكومة اللبنانية وتحتوي على خطط لتتكيف مع معايير التغيير المناخي في نفس القطاعات السابقة، ولكنها تهدف الى زيادة تخفيض الانبعاثات عن الخطة السابقة. إن تنفيذ هذه النقاط في الالتزامات هو مسؤولية كل وزارة على حدة حسب مسؤولياتها. من ناحية اخرى فأن الاولوية لهذه الالتزامات ليس فقط للتغيير المناخي فقط إنما على الفوائد الاقتصادية للبنان حسب ما عبّر عن ذلك الأستاذ كاباكيان .
كما ذكرنا سابقاً، إن النسبة الأكبر للغازات الدفيئة في قطاع النقل حصة الاسد فيه هو نقل الركاب والبضائع.
بالنسبة لواقع النقل الركاب في لبنان، السيارات الخاصة هي التي تستحوذ على النسب الأعلى لوسائط التنقل في لبنان، هي تحتل أكثر من 80% من حجم الوسائط، بالتالي هي الملوّث الأكبر، لذلك من أجل تخفيف نسبة تلوث الهواء لا بد من تخفيض عدد السيارات على الطرقات بأعتماد نقل مشترك كوسيلة أساسية للتنقل أو تعديل تكنولوجيا احتراق السيارات التي تدخل وتعمل في لبنان. في دراستين[5][4] أجريتا من قبل وزارة الطاقة والمياه و UNDP، تناولتا تفاصيل التكنولوجيات الممكنة في الواقع اللبناني لنقل الركاب.
تظهر الصورة السيناريوهات التي يمكن اعتمادها لسيارات الركاب لتخفيف أثر الغازات الدفيئة.
في حال استطعنا تحويل 35% من السيارات الى سيارات ذات كفاءة في استهلاك الوقود، و10% لسيارات هجينة، وجذب 45% الى الباصات، يمكننا تخفيض حوالي 70% من انبعاثات نقل الركاب حتى العام 2040.
في حديثنا مع الدكتور مارك حداد الخبير في النقل ,وهو أحد المعدّين لهذه الدراسات، اكد إذا لم نستطع تخفيف عدد السيارات، نعمد الى تغييرتكنولوجيا المحركات مما يمكننا من تخفيف التلوث .
السيارات الهجينة توفر حوالي 30% من الغازات الدفيئة بالمقارنة مع السيارات العاملة على البنزين، والسيارات التي تعمل على الغاز الطبيعي تخفف التلوث ولكن للاستفادة منها اقتصادياً يجب استعمالها فقط للسيارات التاكسي او الباصات او الدليفري، والسيارات الكهربائية اساساُ لا تصدر انبعاثات بتاتاً .
السيارات الهجينة لا تحتاج الى أي بنى تحتية بعكس سيارات الكهرباء والغاز اللذان يحتاجان لها مع تكلفة أعلى. إن كان الخيار المنطقي هو لبنى تحتية للكهرباء كونها استثمار للمستقبل، ولكن هذا لا يمنع الاستثمار بشكل أقلّ في بنى تحتية للغاز مخصصة لاساطيل النقل المشترك وخدمات التوصيل وخدمات النقل بشكل عام.
أما على صعيد نقل البضائع، أضاف الدكتور مارك أنها تسبّب حوالي 35% في نسبة التلوث رغم أن عددها أقل من السيارات، في حين يَعتبر نقل البضائع رابع ملوّث عالمياً في قطاع النقل بشكل عام (IEA World Energy Outlook 2019) ولذلك تعمل العديد من الدول الكبرى على تغيير تكنولوجيا الشاحنات الكبرى المعدة للنقل، الترانزيت خصوصاً. كما شدّد أن للحصول على نتائج عالية في تخفيض التلوّث يجب تحويل أكثر من 50% للتكنولوجيات الخضراء من الشاحنات، وإن أردنا الوصول الى أفضل النتائج لا بدّ لنا التحويل لجزء من خدمات النقل الى استخدام سكك القطار، وهذا ما يؤكده الرسم البياني في الأسفل
في هذا الصورة نرى كذلك عدة سيناريوهات لتكنولوجيات نقل البضائع. فإن حوّلنا 50% من الشاحنات الكبرى الى شاحنات كهربائية وكذلك 50% من الشاحنات الصغيرة الى كهربائية ونقلنا 20% من نقل البضائع الى النقل بالقطارات، فإننا نستطيع حسب هذه الدراسة تخفيض حوالي 38% من الإنبعاثات.
في بحثنا هذا، لن نتطرق الى قطاع الطيران وقطاع النقل البحري لقلة نسبة دورهما في الإنبعاثات وعدم وجود نقل بحري أو جوي داخلي في لبنان.
بالنسبة للمهندس نذير حلواني , وهو عميد الدراجات الهوائية في مدينة طرابلس الذي أحد أهدافه نشر ثقافة الدراجات الهوائية في مدينة طرابلس، إنّ التخفيف لتلوث الهواء هو بعدم استعمال السيارات الخاصة واستخدام بديل عنها الدراجات الهوائية أو النقل المشترك والدراجات الكهربائية، وهذا ما لا يحصل كثيراً بسبب سهولة الحصول على السيارة، كما أنّ السيارة في لبنان هي تعكس مستوى رفاهية إجتماعية ولذلك يسعى الكثيرون للحصول عليها. لكن مظهر طوابير السيارات في الآونة الأخيرة على محطات البنزين كانت بالنسبة له مظاهر ذلّ، ونفذوا تظاهرة أمام محطات البنزين مع يافطات لتشجيع الناس على استعمال الدراجات الهوائية كحلّ بديل وتبيّن مخاطر استعمال السيارات علي المجتمع بشكل عام. لم يكن هذا التحرك الوحيد هذه السنة، بل قاموا بعدة تحركات من هذا النوع من المظاهرات في السنتين الأخيرتين.
تجدر الإشارة أن أعداد السيارات المستوردة بين 2019 و 2020 قد انخفض بشكل كبير كسواها من القطاعات المستوردة , كما تظهر أرقام هذا الجدول من الجمارك وذلك وبسبب ارتفاع الدولار، وهذا ما قد يؤدي الى تغيير النمط التصاعدي لنسب التلوّث مع الوقت وتغيير التوقعات المفترضة. فالأرقام التي تم تقديرها في الدراسات السابقة كانت على اساس تصاعدي في حين أننا نرى تغيير جذري في كافة الأرقام الإقتصادية ونهج استهلاكي جديد.
في ظل الوضع المالي الصعب يبقى تطبيق هذه الدراسات مكلف ولا قدرة في ظل هذا الوضع على تنفيذ هذه الحلول , ولا بد من استنباط حلول غير مكلفة وتكييف أنفسنا على نمط تنقل لم نعتاده من قبل وهو التنقل عبر الدراجات الهوائية أو النقل المشترك.
فهل الإنهيار الإقتصادي يمكن أن يكون فرصة للمجتمع اللبناني بتغيير نمط تنقله لوسائل أقل تلوّث من خلال النقل المشترك والدراجة الهوائية والمشي أو ابتداع حلول أخرى للتنقل؟
شادي فرج تدقيق لغوي فادي الصايغ
المصادر:
1-http://climatechange.moe.gov.lb/indctab 2-http://climatechange.moe.gov.lb/viewfile.aspx?id=300 3-http://climatechange.moe.gov.lb/viewfile.aspx?id=287 4-http://climatechange.moe.gov.lb/viewfile.aspx?id=277 5-http://climatechange.moe.gov.lb/viewfile.aspx?id=263 6-https://drive.google.com/file/d/1xV-Sga5b94Zm7BhfCqcY1YywVvuz0UhD/view