احدى ركاب باص 12

      انا طالبة في الجامعة الامريكية في بيروت اسكن ضمن حارة حريك قرب مطعم الخليل. بالاضافة الى ذلك، تسكن عائلتي في الجنوب لذلك تستطيعون القول انني اركب مواصلات النقل العمومية يوميا. استقل الباص خط ١٢ لاصل الى الجامعة في ايام الاسبوع واركب الفانات لانزل الى الجنوب أيام العطلة.

     منذ بداية زيارتي للجامعات، لطالما اعتمدت على وسائل النقل العمومي مع اصدقائي للتعرف على الجامعات وتقديم الطلبات. 

     اعتمد هلى الخط رقم ١٢ لأنه ينطلق من حارة حريك قريبا من منزلي ويمر بجانب العديد من الجامعات، منها الجامعة الجامعة العربيةBAU و LIU و AUB …. ويمر بمارالياس وصولا الى الحمرا.

     اعتمد على خطوط الباصات لأنها دائما متوفرة في اغلب الأوقات وتمر بالكثير والكثير من الاماكن، حتى اذا اضررت ان انتظر الباص، لا يزيد انتظاري عن عشرة دقائق.

      في الباص تلتقي بشتى انواع الناس، الصغار والكبار، عمال وطلاب، منهم من يبقى صامتا ومنهم من يدردش لكي لا يشعر بالوقت. حتى ان كل سائق يختلف عن الآخر، فمنهم من يضعون الموسيقى ولا يحدثون الركاب، ومنهم من يحدث الركاب عن اوضاع البلد والسياسة والاقتصاد….

     منذ حوالي سنتين حتى اليوم، لا زلت استخدم الباص رقم ١٢ لاصل الى جامعتي. استخدم الوقت الذي اقضيه في الباص لتصفية ذهني واراحة بالي عن طريق سماع الموسيقى والشرود من خلال النافذة. فالركوب بالباص يأخذ وقتا اكثر من باقي المواصلات خاصة خلال فترة الظهريات. احيانا اصل للجامعة في ٣٠ دقيقة واحيانا تتخطى المدة الساعة والربع. لذلك التخطيط واتنظيم الوقت امر لابد منه للاستفادة من خطوط الباصات.

     حتى الآن لم اتعرض لأي موقف سلبي او تضايق خلال رحلتي في الباصات او الفانات. وأريد ان ألفت النظر الى كمية الراحة في الحديث مع سائقي الباص، فالحديث عن أمور شخصية خفيفة مع السائق الذي غالبا ما اركب معه صباحا امر اكثر من محمس لي لابدأ نهاري. رجل  لطيف ومحترم بعمر ابي، نحيف واسمر، اركب معه معظم الاوقات لأنني اتوجه الى الجامعة على الساعة السابعة صباحا. اخبرني كيف انني اشبه ابنته التي تدرس التمريض وايضا ترتاد الباصات مثلنا لتتوجه الى معهدها. لقد حفظت كل سائقي الخط ١٢ لكثرة استعماله. 

       صحيح ان البعض يقول ان الطلاب، وخاصة الطالبات، لا يركبون هذه الباصات او لا يرغبون بركوبها لأنها مكتظة؛ وهذا بنظري غير صحيح بتاتا لانني لطالما صادفت العديد من صديقاتي فيه اللواتي يرتدن جامعات مختلفة. اود ان اسلط الضوء على أن هذه الباصات هي الأكثر امانا بالنسبة لي ولا أشعر فيها بأي عدم راحة. أنا أؤمن بأن الطلاب والطالبات يجب أن يعطوا فرصة بتجريب ركوب هذه الباصات قبل إصدار أي أحكام مسبقة وغير صحيحة.

                                                                                                احدى ركاب باص 12

                                                                                            الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء شخصية

عَ طريق البوسطة

كمّ من المغامرات الشيقة والمعارف الكثيرة أكسبني إياها التنقل العمومي على طرقاتٍ توقظُ نوم الركّاب وتُقلق أحلامهم العتيقة بسبب المطبات الغليظة والحفر العشوائية في بلادي.

رحلاتي في الباصات العمومية وخاصّة طريق بيروت- طرابلس لا تُعدُّ ولا تُحصى.كم ّمن وجوهٍ وجنسيات، ولهجات وأزياء مختلفة، صنعت من كلّ بوسطة هوية تشكيلية عابرة للقارات: ترى شاب يضع سلسلة يتدلى منها صليب، الى جواره فتاة تتحدث الاثيوبية، عامل سوري وآخر سوداني، وعجوز يتكلم اللغة المصرية الى جانبه طالب جامعي يلملم أفكاره مع وقع موسيقى على ذوق سائق الباص، بالطبع!

ما يميّز الباصات اللبنانية عن غيرها من الباصات الحكم والأقوال التي ترافق كل آلية عمومية تقريباً ما يعكس روح النكتة الموجودة في بلادنا “عيش ع مبدأ وجودهم حلو وغيابهم ما بضرّ” ، “رح ضلّ حبك لحتّى المحيط الهادئ يعصّب” ، “خلّيك بدربك، دربنا صعب عليك” هذه بعض من الأقوال التي لازلت أذكرها.  وتضخكني في كلّ مرّة.

لبنان وعجقة السير

لا يمكنك التحدث عن طرقات لبنان و مواصلاته دون التحدث عن حركة المرور الكثيفة أو بالأحرى عن “عجقة السير” ، وما مرّ من إقفال لطرقات لبنان منذ الثورة، حيث أضحى قطع الطرقات ” فشّة خلق. وراح الصالح بعزا الطّالح”. مع تفاقم الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية التي وصلت اليها البلاد، واختلاف الظروف الراهنة، التي تأخذنا، الى صلب أزمة سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، أعادت التحركات الشعبية الاعتراضية في المناطق،  و اُعيد التسكير والاقفال لطرقات مع اقفال طرق رئيسية في العاصمة اللبنانية، وفي مناطق اخرى، شمالاً وبقاعاً وجنوباً. ومع هذه الحركة الاعتراضية الشعبية التي أشعلت الطرقات بالإطارات، وأوصلت صرخات الجوع، بقيت آثار الاطارات المحترقة على طرقات لبنان تُنّشط ذاكرتنا كلّ ما مررنا بها. مما زاد من أزمة التنقل العمومي و أجبر سائقوا الباصات البقاء في منازلهم معظم أيّام التسكير. واتت كورونا لتزيد الطين بلة وكأن النقل العمومي كان ينقصه مشاكل أخرى، رغم أنّ الدراسات الحديثة قد أثبت نُدرة انتقال عدوة كورونا في الباصات والقطارات عند ارتداء الكمامة واتّباع معايير السلامة العمومية.

في مدينتنا القهوة ليست مشروب بل واجب

أحاديث متنقلة، تحليلات سياسية أخبار متنوعة، وفنجان قهوة، ففي كل باص خبير في الشؤون الاقتصادية والسياسية. في بلدٍ خسر سككه الحديدية لم يتبقى له سوى باصات تنبض بهويته تنتقل من منطقة إلى أخرى على آخر نفس، بسبب المعانات اليومية من أزمات المحروقات والضيقة الاقتصادية، انهيار الّليرة وكورونا  ما يُصعّب مهام هذه الباصات ويهدّد استمراريتها.

 الجوع أقوى من الخوف!

الصّيت  السيئ يرافق باصات بيروت- طرابلس أو كما تُسمّى بالعامية ” ڤانات التلّ”  وذلك بسبب سرعتها الزائدة أحياناً وتسابق الڤانات بين بعضها للوصول الى الراكب المحتمل.

ومع تردّي الاحوال الاقتصادية ازداد الخوف من الجوع، ما يخلق عند سائقي الڤانات العمومية الحاجة للسرعة الزائدة لإنهاء النقلة والبدء بالاخرى لإعالة عائلته فالنمرة الحمراء السبيل الوحيد للمدخول.

يبقى الرهان، في المدى الطويل على نظام النقل العام الذي يفترض أن يسمح للمدينة بتأدية وظائفها بفعالية واستمرار. فَبالنظر إلى طوبولوجية المدينة وجغرافيتها، يصعب تصوّر أيّ نظام نقل متاح حالياً وقابل للتطبيق في المدينة باستثناء نظام النقل العام بالباصات ما يجعلها صلة الوصل الوحيدة العابرة للوصول الى بيروت لكل مواطن وشخص بلا سيارة. 

لين طعمة

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء شخصية