النقل الجماعي أو المشترك او الشعبي او غير الرسمي او غير المنظم ، هي عبارات نطلقها من حين الى آخر على نظام النقل الموجود في لبنان والذي يخدم الكثيرين ، وخاصة الفئات التي لا قدرة لها اساسا ً امتلاك سيارة في الأغلب. هذا النظام العضوي والأساسي الذي خدم بما تسمح له قدرة مشغليه من أصحاب الفانات والباصات والسرفيسات من تقديمه للسكان ، لم يكذب عليهم بل ظهر بحلته الحقيقية والطبيعية كأي نظام شعبي . فهو لم يتزين ويتبرج بمالكم ليبيعكم خدماته، فلطالما اتهمتموه بالإهمال والوساخة والدونية، وهو لم يتأثر بتعليقاتكم لا بل استمر بدوره كالمعتاد ليخدم من يختاره مرغماً على استخدامه, حسب زعمكم لأن هذه الوسائل هي تليق فقط بالعمال والشغيلة كما وصل دائما الى مسامعنا .فلا انتم فضلتم أن تستخدموه و لا استخدمه أحد من مسؤوليكم الذين تنقلوا بمواكب أمنية ترهبكم على الطرقات وتجبركم على إفساح الطريق. في ظل الأزمة التي وصلنا اليها يبدو واضحاُ أن قطاع النقل غير الرسمي ليس هو القطاع غير الرسمي الوحيد في هذا البلد وهو لم يكن واضحاُ قبل الأزمة. فسابقاُ اتهموه انه ليس واضح في خدماته والأسعار ولا التوقيت ولا التعرفة وهذه كانت حجة الكثيرين لعدم استخدامه. فمع الأزمة اصبحت المصارف قطاع غير رسمي او شعبي، فكل مصرف او حتى فروع المصارف أصبح لديها توقيت خاص للاقفال لا نعلمه , تحاول حماية نفسها بأخذ عمولات وقرارات خاصة بها فتختلف الميزات من فرع لآخر. فأصبح الحظ هو عامل كبير في وجود حسابك في فرع لتيسير معاملاتك المالية.، وليس هذا فقط فلم تعد تستطيع ان تسحب جنى عمرك من المصرف كما تريد، بل بتحكمون بمصروفك الشهري على هواهم ويحرمونك من تحويلك المال الى الخارج لان لا ناقة لك كما غيرك من المحظوظين. كلمة المافيا التي ترافقت مع وصف قطاع النقل المشترك منذ نعومة اظافري ما زالت حتى الان ، وفي عز الازمة بعض الجهات تنعتهم بهذه العبارة الموروثة من ثقافة غريبة تصدح في ارجاء البلاد ومعالمها. نعم إنهم " المافيا " ، الذين يقدمون لكم خدمة النقل في مقابل رسم صغير وعلى قدر قدرتهم وافتنائهم، في حين تغيب مصلحة سكلة الحديد و النقل المشترك عن ذلك لعدم الاستثمار فيها والصفقات منذ التسعينيات التي ادت الى اعجازها عن القيام بدورها الفعلي التي أنشئت أساساً له. نعم إنهم " المافيا " ، الذي بفضلهم يصل الألآف الى اشغالهم ومدارسهم وجامعاتهم، وليس من يقوم بحرمانكم من تحويل اموالكم الى الخارج لتكملوا تعليم اولادكم . نعم إنهم " المافيا " ، الذين يدفعون ثمن النمرة الحمراء واشتراكهم للضمان والميكانيك وكافة الضرائب المتوجبة ، فيما غيرهم يستفيدون من قروض دعم السيارات والهندسات المالية والقروض العجيبة الغريبة التي اغرقتنا. نعم إنهم " المافيا " ، الذين يحتكرون الخدمة في مناطقهم لاجل حماية الزعامة لهم والخضوع لها وتأمين باب رزقهم اليومي ، فيما غيرهم محتكر الصفقات والإمتيازات والوكالات الحصرية ويستفيد من أموالكم لزيادة أعماله ومبيعاته على حسابكم ومالكم العالم. نعم إنهم " المافيا " ، الذين اضطروا ان يعملوا في عز الجائحة ليعيشوا في رزقهم اليومي دون اي اهتمام او حماية من كورونا ليقدموا الخدمة لعمال الأساسيين من وممرضين وعمال افران يساهموا في اكمال العمل الأساسي للمجتمع في حين ان نوابنا كان لهم الافضلية في اللقاح في مجلس النواب نعم إنهم " المافيا " ، الذين جعلوكم احياناً تنتظر ليكتمل عدد الركاب ، في حين أن غيرهم جعلوكم تنتظرون على إشارات السير التي هي من صلب مالكم العام ، مرات ومرات ليمروا بمواكبهم التي تروعكم وتروع اطفالكم. نعم إنهم " المافيا " ، يا سادة ، الذين اجبروكم على شراء السيارات بقروض من مالكم العام وربحية المصارف وتضيع حوالي الساعة والنصف من يومكم في زحمات السير دون احتساب الخسائر الإقتصادية والصحية والبيئية التي تصيبكم . نعم إنهم " المافيا " ، الذين سوقوا لكم السلامة المرورية بقانون السير وعرض الطرقات وبناء الجسور ، لكنهم قتلوا شبانكم وشاباتكم على الطرقات في حوادث سير بسبب عدم الصيانة او الإهمال او عدم انارة وصفقات انشائية لا تعد ولا تحصى . وبهذا قد ظهرت الدولة الرسمية التي نعيش فيها كم هي سلطة غير شعبية , تحمي مصالح القلة على المصلحة العامة لا تعنيها مشاكل الناس وحاجاتهم وأمنهم الغذائي والصحي والأمني . كفانا انتظاراً ، فلنستعمل النقل المشترك الموجود ، ليس فقط لأنه لم يخدعنا ولم يكذب علينا ، بل لأنه الحل الأكثر استدامة والمتوفر الآن ، ولنطالب بدعمه وبتطويره لاننا قد ظلمناه كثيراً وحان وقت تصويب البوصلة بدئاً من النقل المشترك .
شادي فرج
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء شخصية