بين المنافسة والاحتكار في النقل المشترك

إن خط الدورة بعبدا لهو خط ما يقارب الخط الفريد من نوعه لخطوط الباصات في لبنان، وهو يجمع بين الباصات الخاصة الفردية وباصات الدولة أو ما كان يعرف بجحش الدولة. ولكن هذا لم يكن هكذا دوما، فقد مر بفترات حيث احتكرت الباصات الخاصة هذا الخط وفرضت ‘ريتمها’ وتوقيتاتها على الناسء فمن كان يتذكر هذه الفترة يتذكر كم كانت اطول اوقات انتظار الباص وكم كان يمتعض الكثيرين من الباصات وسائقيها وحتى قام الكثيرين بأيجاد حلول اخرى للتنقل كشراء سيارة أو دراجة نارية للخروج من جحيم الانتظار والتنقل.

ولكن قد يعلم الكثيرين أن ليس بأستطاعة الجميع شراء سيارة أو دراجة نارية وان الكثيرين رغم هذه التصرفات لا حول ولا قوة لها إلا بأستعمال هذا الخط السيئ الذكر. وان رغم معاناتهم في أعمالهم اليومية فهذا الباص هو الوسيلة المتاحة لديهم للتنقل بظل أوضاعهم المعيشية والوظيفية. فرغم العمل طوال النهار وتعبهم يفضلون حتى الوقوف في الباص للوصل إلى منازلهم وعدم التخلي عن الف ثانية من مصروفهم لاستقلال عتبة الرفاهية في السرفيس.

نعم فحتى السرفيس الذي يرفض الكثيرين دوس عتبته متمسكسين بأسباب السلامة العامة والنظافة و كثرت كلام السائق المهموم ومشاكله لا يفققه كثيرون.

فلنعود الى خط ٢٢ هذا الخط الذي يربط الشمال ببيروت وجبل لبنان فالجدير بالذكر أن باص الدولة الذي يعمل على الخط يحمل رقم ٩ حسب مصلحة سكة الحديد والنقل والمشترك الا أنها استبدلته بال ٢٢ لان هذا الرقم أصبح معروف عند الناس ففرض الترقيم الشعبي على الرسمي.

لطالما عرف مستخدمي هذا الخط ان مدة الانتظار قد ازدات وخصوصا بعد توقف خدمة باصات الدولة على هذا الخط فأصبح نصف الى ما يقارب الساعة انتظار الباص وهذا ما سمح السائقين الغير منظمين استغلال التوقيت لصالح الربح والاستغلال للخدمة.

الا ان الحال لم تكمل هكذا لان مصلحة النقل المشترك قد اعادت خدمتها على هذا الخط عبر باصين يعملان من الصباح الباكر الى الساعة السادسة. فبدأت المنافسة الشريفة والغير شريفة تتحكم بأنتظام التوقيت هذا ما حس الجميع على التنافس على الركاب وما جعل توقيت الانتظار ينخفض الى النصف واكتر فوجود اي منافس يدفع اي كان الى الاندفاع وتقديم الافضل. وهذه هي حال هذا الخط: التنافس اليومي بين باصات الدولة وباصات النمرة الحمراء وادخل الخط في دينامية جديدة تتقلب فترات بين تنافسية بشكل شرس وفترات تعاونية ومما يجعل التوقيت مستقر وسبب هذا الامر هو ان احيانا يكون صداقات او اتفقات بين سائقي باصات الدولة والسائقين الاخرين مما يجعل اليوم العمل للجميع سلس و احيانا تكون نوع من العدوات وايضا احيانا يتم الاتفاق بين سائقين الدولة وبضعة سائقين على رفاقهم كجزء من الصراع اليومي او جزء من الصراع للتحكم بالخط ونظامه.

فأهيمة هذا الخط ان ما زال بأغلب باصاته هي لسائقين فراده يملكون الباصات ويعملون عليها وهم يحاولون تنظيم انفسهم بأنفسهم ولا يملك احدهم غالبية الباصات الا ان من الحينة والاخرى يحاول بعضهم من السيطرة على الخط عبر ادخال سائقين جدد وباصات جدد لمحاولة اخضاع الجميع .

فهذا الخط يعاني من منافسة باصات الدولة التي رغم ايجابياتها احيانا الا ان باصات الدولة لا تستطيع ان تعمل على جميع الخطوط وفي اي مكان وذلك بسبب المحسوبيات والتوازنات الطائفية والمناطقية وقوة مشغلي الخطوط على هذه الاصعدة.
وما زال صامدون السائقين واصحاب الباصات ويحاولون تأمين قوت يومهم رغم كل هذه المنافسة ومحاولة السيطرة ويقدمون الخدمة بما يمكنهم وما يجدون وهي خدمة الناس في تنقلاتهم اليومية.

وبعد هذا العرض كله يغيب عنا وعن ذهننا دور الراكب وحقوقه ودوره في مطالبة الجميع دولة وسائقي النمرة الحمراء بخدمات افضل فلا تكفي المنافسة فقط في حماية القطاع والخدمات انما رأي وقوة صوت مستخدمي الباصات وردود الفعل لما تضمن التوازن بالخدمات والحقوق.

 

ل بيعرف بيعرف ول ما بعرف بيقول كف عدس

 بإختصار يمكن توصيف واقع السائقين و العاملين على خطوط النقل الخاصة في النقل المشترك
من بعيد و كمواطنين او مستخدمين او ناس لم تطئ ارجلهم ارض الباصات نرى الاشياء من منظار مختلف لواقع العاملين في القطاع
البعض منا يراهم من المافيا ولا يجب التعامل معهم
البعض الاخر لا يريد ان يعترف انهم موجودين فيتجاهلهم
البعض يقول هذا عمل الدولة وليس عملهم ويطلب بتدخل الدولة وتنظيم الواقع كما يراه في دول الغربية او في نظرته للامور
وهناك البعض من الركاب يرونهم كسبب لتأخيرهم عن عملهم او مواعيدهم وخصوصا عند انتظار الباص ليمتلأ او السير ببطئ شديد ويرون فيهم استغلالييون وانهم يربحون الكثير من المال
ولكن لا يعلم الكثير منا خصوصيات بعض العاملين في القطاع فليس كلهم استغلاليون ليس كلهم من تدر عليهم الاموال الطائلة
وان اغلبهم يعيشون من اجل كفاية عيشهم و معيشتهم هم و عائلاتهم
فعندما تتكلم مع السائقين لاحد الخطوط تعلم انه يجب ان يعمل الكثير من الوقت لاجل تمكنيه من الحصول على مبلغ لسد السندات ثمن الباص و النمرة الحمراء لذا تراه يقاتل كل يوم نفسه و السائقين الاخرين من اجل الحصول على افضل نقلة ليتمكن من سداد القرض.فأنه سيقوم بما يستطيع من اجل تأمين مبلغ السند بالاضافة الى مصروف عائلته
فالالف التي قد لا تعنيك انها تساوي الكثير بالنسبة له لهذا قد نرى باصات ممتلئة وباصات بطيئة تلملم كل مار على الطريق تعتقده زبونا لها.
هناك سائق اخر تراه منذ الصباح يصرخ و يكفر ويتوعد اصدقائه ويسير ببطئ شديد املا الحصول على مبلغ اجار الباص فأنه يجب يعمل بجهد شخصين ليتكمن من سداد الاجار والحصول على مبلغ لقوته اليومي دون ان ننسى انه قد يكون لديه عائلة
في بعض خطوط الباص ترى السباق الذي يحصل بين باص و اخر من اجل الحصول على اكثر من الزبائن الممكنة فلذلك الامر لا يعنيك وانت تريد الوصول الى وجهتك .
عندما تتكلم معهم تعرف ان الباص هو شركتهم الصغيرة التي يعملون فيه و من اجلها وانهم لا يمكنهم التخلي عنها لان لا عمل لديهم غيرها
بعض الخطوط قد تجد مالك للباص يعمل عليه بنفسه وخصوصا بعد تقاعده من احد الاسلاك العسكرية فترى الباص لديه طابع لا يشبه كثيرا اقرانه فهو مرتب اكثر من غيره يحترم قانون السير بشكل عام يحافظ على مركبته ويحب النظام .هو ليس لديه هم الربح الكثير وما يهمه ان لا يخسر ما يسثتمر به
بعض السائقين اكثر ما يهمهم الضمان فأنهم اشتروا و استثمروا في هذا القطاع بسبب الحصول على الضمان له و لعائلته وقوته اليومي و خصوصا ان لا مجال اخر او مهنة اخرى لديه و خصوصا بسبب عمره فأصبح صعبا له ايجاد عمل اخر له في اي شركة او قطاع اخر
هناك بعض الخطوط وهي قليلة حيث يكون السائق نوع من الاجير اليومي فيعمل ويقبض لقاء عمله يوميا ما يكفي قوته وهو يكون مراقبا من قبل صاحب العمل في كل تفاصيل العمل من سرعته الى الركاب في مركبته الى التوقيت وما عليه الا بيع بطاقات اكثر ليحصل نهاريته مع الاستماع الى تعليمات المسؤول عن الخط.
يجب عدم شيطنة القطاع ونشر فكرة عدم فائدته و انه يشكل نوع من المافيات و العصابات بل يجب ان نراه من منظار اخر انه يخدم الكثيرين وبأسعار لابأس به وانه الاكثر استدامة فبغياب الدولة هم من كانوا يملؤون فراغ الدولة
انه قطاع يشبهنا يشبه مجتمعنا يشبه ناسنا وعاداتنا و ثقافتنا
انه نظام ذكي ديناميكي يستطيع التأقلم مع جميع المتغيرات و هذا ما ادى الى مقاومته جميع التغيرات والسياسات التي مرت عليه
انه نظام شعبي غير رسمي ساهم في تحول النظام الرسمي الى نظام شبه شعبي في عمله وخصوصا بعد تجربة خطة النقل المشترك في ال ٩٨ فأصبح بعدها هذا النظام الرسمي لا يعتمد مواقف الباصات وفقد التوقيت الدقيق للنظام الرسمي فتحول الى نظام شعبي رسمي تديره الدولة.
هناك الان تحدي جديد لهذا النظام وخصوصا بعد تأمين الاموال لخطة النقل الجديدة التي يمولها البنك الدولي عبر قروض ميسرة وتشمل نظام باص سريع بين خط طبرجا و بيروت و خطوط داخلية و خارجية في بيروت الادارية وبيروت الكبرى
فالاسؤال الذي يبادر الى ذهني هل سنشهد تجربة مماثلة في ال ٩٨ او اننا تعلمنا وماذا تعلمنا؟
عند اعداد الدارسة للاثر البيئي والاقتصادي والاجتماعي لمشروع الباص السريع كان لدينا الحظ في المشاركة في مجموعات التركيز (focus group)  للمشروع كمجتمع او مبادرة تعمل على القطاع فبادرنا الى توجيه الكثير من الاسئلة والافكار التي تدعو للدمج بين النظامين او حتى دعم اولي للنظام الموجود الذي يمكن ان يكون جزء من الحل وبتكلفة قليلة ويمكنكم متابعة عبر هذا الرابط

http://www.cdr.gov.lb/study/BRT/FINALESIAREPORTver1P1.pdf

فالى اين نحن ذاهبون الى اي نظام او الى اي نظامين هذا السؤال يبقى للمستقبل ويبقى تحدي جديد للنظام الشعبي.